موضوع الأسبوع
لويس إيرارد تتعاون مع غوس في أحدث إصدارات لو ريغيلاتور

في ديسمبر 2021، اجتمعت شركتا لويس إيرارد وغوس بفضل مانويل إيمش، صاحب الرؤية وراء النهضة الاستراتيجية والتحول الإبداعي لـ لويس إيرارد. وجد في باتريك شوجرين، صانع الساعات ومؤسس ورشة غوس السويدية، شريكًا فكريًا، حيث تشتهر ورشته بإتقانها لفن الفولاذ الدمشقي. 

معًا، تصوّرا ساعة تجسد جوهر العلامتين: الدقة التقنية والرقي الجمالي لصناعة الساعات السويسرية، ممزوجة بحرفية الورشة السويدية، حيث يُصنع الفولاذ الدمشقي بأنماط ساحرة. بعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، كانت النتيجة الساعة الاستثنائية التي بين أيدينا اليوم، إصدار لويس إيرارد ريجولاتور X غوس، إصدار محدود يقتصر على 178 قطعة.

مقال سويسرا وتربعها على عرش صناعة الساعات الفاخرة

القصة وراء تفوق الدولة الأوروبية الصغيرة وفرض سيطرتها على هذه الصناعة

لطالما كانت سويسرا، هذه الدولة الأوروبية الصغيرة، القلب النابض لصناعة الساعات الفاخرة، موطنًا للساعات الميكانيكية ذات الدقة العالية. ولكن هل تساءلنا يومًا كيف وصلت إلى هذه المكانة؟ ما الذي جعل سويسرا تتصدر هذه الصناعة؟ وما العوامل التي ساعدتها على التفرد بهذه الحرفة؟

عندما نسأل عن الثورة الصناعية، غالبًا ما يتبادر إلى الذهن بريطانيا العظمى، التي قادت هذه الثورة بفضل القطار البخاري وانجازاتها الميكانيكية. وإذا تحدثنا عن صناعة السيارات، فإن ألمانيا تأتي في المقدمة بفضل "كارل بنز" مخترع أول سيارة. أما عن انتشار السيارات بأسعار معقولة، فسنجد أن الفضل يعود إلى "هنري فورد" وسياسة الإنتاج الضخم التي ابتكرها. لكن ماذا عن الساعات؟ عندما نسأل عن الساعات، تكون الإجابة دائمًا: سويسرا. ولكن كيف حدث ذلك؟ كيف أصبحت سويسرا رائدة في هذا المجال؟

قد يقول البعض إن الفضل يعود إلى "إبراهيم لويس بريغيه"، صانع الساعات الشهير الذي يُنسب إليه اختراع أول ساعة يد. ولكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك. فبريغيه بدأ رحلته في صناعة الساعات في باريس، حيث أسس ورشته هناك. وعلامة بريغيه التجارية لم تنتقل رسميًا إلى سويسرا إلا في عام 1976، بعد وفاة مؤسسها بأكثر من قرن. إذًا، تاريخ صناعة الساعات السويسرية يعود إلى ما قبل بريغيه بسنوات عديدة.

على مدار أكثر من أربعة قرون، استطاعت صناعة الساعات السويسرية الحفاظ على ريادتها العالمية بفضل مزيج من التقاليد العريقة، الخبرة المتراكمة، التكنولوجيا المتقدمة، والابتكار المستمر. ورغم الأزمات التي واجهتها، سواء كانت تكنولوجية، هيكلية، أو اقتصادية، أثبتت هذه الصناعة قدرتها على التكيف والتطور. بفضل ديناميكيتها وإبداعها، قدمت سويسرا العديد من الابتكارات البارزة، مثل أول ساعة يد، أول نمزذج لساعة كوارتز، أول ساعة مقاومة للماء، أنحف وأصغر ساعة يد، أكثر الساعات تعقيدًا، وأغلى الساعات في العالم.

لكن قبل الحديث عن هذه الإنجازات التقنية، لا بد أن نعود إلى الجذور، إلى فترة ما قبل ساعات الجيب الكلاسيكية. هذه الرحلة بدأت في عصر النهضة، من أزمة أكثر تعقيدًا من أزمة الكوارتز الشهيرة في أواخر القرن العشرين. البداية الحقيقية تعود إلى أوائل القرن السادس عشر.

سويسرا، هذا البلد الصغير الذي يتميز ببحيراته الزرقاء العميقة وجباله الشاهقة، لم تكن دائمًا رائدة في صناعة الساعات. قبل أن تتربع على عرش هذه الصناعة، كانت فرنسا وهولندا هما الدولتان الرائدتان في أوروبا. فكيف بدأ كل شيء؟

البدايات الأولى لصناعة الساعات

بينما لا يشكل أصل الساعات الميكانيكية الموضوع الأساسي لهذا المقال، إلا أنه من المهم أن نذكر أن أوروبا قدمت لنا أول ساعة "بندول" في منتصف القرن السابع عشر. هذه التقنية، التي نجدها في الساعات التقليدية القديمة مثل ساعات الحائط، كانت تعتمد على آلية التعبئة اليدوية للحركة. ولكن قبل أن تظهر الساعات الميكانيكية المعتمدة على حركة التروس في أوروبا، بما في ذلك سويسرا، كانت هناك تقنيات بدائية لقياس الوقت تحدثنا عنها بالتفصيل في مقال سابق.

قبل ظهور ساعات الجيب، كانت الساعات المحمولة هي قمة التطور في ذلك الوقت. ويعود هذا الابتكار إلى ألمانيا حوالي عام 1509. خلال عصر النهضة، ظهرت أول الساعات التي يمكن حملها، وكانت هذه الابتكارات بمثابة نقلة نوعية مقارنة بآلات قياس الوقت الكبيرة التي كانت تُعلق على الجدران أو تأتي بحجم خزانة.

بين عامي 1509 و1530، نجح صانع الساعات الألماني "بيتر هنلين" في اختراع ساعة صغيرة تُعتبر سلفًا للساعات اليدوية الحديثة. لكن هذه الساعات لم تكن تُرتدى على المعصم، بل صُممت على هيئة مجوهرات وزينة. "بيتر هنلين"، الذي يُنسب إليه اختراع أول ساعة محمولة في مدينة نورمبرغ الألمانية، قدم للعالم نموذجًا متقدمًا في ذلك الوقت. ورغم أن هذه الساعات لم تكن صغيرة بما يكفي لوضعها في الجيب، إلا أنها مهدت الطريق لتطور صناعة الساعات المحمولة.

كانت هذه الساعات نادرة جدًا ومخصصة للأثرياء فقط، حيث كانت تُعتبر من التقنيات المتقدمة والفاخرة في عصرها. ومن هنا بدأت الرحلة الطويلة التي قادت إلى تطوير الساعات كما نعرفها اليوم، مع دور سويسرا المحوري في هذه الصناعة.

 

إسهامات سويسرا في صناعة الساعات: رحلة من الإبداع إلى الريادة

حتى الآن، لم نتناول إسهامات سويسرا في صناعة الساعات. متى بدأت صناعة الساعات السويسرية؟

كانت الثورة البروتستانتية نقطة تحول هامة في تاريخ هذه الصناعة. فقد أدت الاضطرابات في ألمانيا وفرنسا إلى إعادة تشكيل صناعة الساعات بشكل جذري. وبينما كانت ألمانيا رائدة في ابتكار الساعات المحمولة، أوقفت الثورة البروتستانتية التقدم هناك بسبب العنف وعدم الاستقرار الاقتصادي. أما في فرنسا، فقد أدى الاضطهاد الديني للحرفيين المهرة إلى تعطيل صناعة الساعات الناشئة.

هذه الفوضى كانت السبب غير المباشر في صعود صناعة الساعات السويسرية. فقد لجأ الحرفيون المهاجرون إلى سويسرا، حاملين معهم خبراتهم التي أسست لنهضة هذه الصناعة، لتتحول سويسرا إلى القوة الكبرى في هذا المجال.

سويسرا، المعروفة بجمال طبيعتها وصناعة أجود أنواع الشوكولاتة ونظامها المصرفي المتطور، تتميز أيضًا بسياسة الحياد السياسي خلال النزاعات الأوروبية والعالمية. هذا الاستقرار جذب العديد من صانعي الساعات الفرنسيين الذين هربوا من العنف في وطنهم. استقر معظمهم في جنيف، حيث كان المجتمع أكثر استقرارًا.

بدأت رحلة سويسرا في السيطرة على صناعة الساعات منذ القرن السادس عشر، وحافظت جنيف على سمعتها كمركز لهذه الصناعة. بحلول القرن السابع عشر، ازدحمت المدينة بصانعي الساعات، مما دفع الكثير منهم إلى الانتقال إلى جبال جورا.

 

شهدت سويسرا حركة إصلاحية دينية تُعرف بالكالفينية، والتي عززت قيم البساطة والزهد. وفي عام 1541، فرض الكالفينيون قوانين صارمة حظرت ارتداء المجوهرات والزخارف. هذا القرار دمر أعمال الصاغة، لكنه دفعهم للتحول إلى صناعة الساعات.

بفضل الحرفيين المهرة من فرنسا وألمانيا، وُلدت صناعة الساعات السويسرية من رماد التواضع. وبحلول نهاية القرن، اكتسبت جنيف سمعة عالمية في التميز، وتم تأسيس "نقابة صانعي الساعات في جنيف" عام 1601، كأول نقابة من نوعها في العالم.

مع ازدحام جنيف، انتقل العديد من صانعي الساعات إلى جبال جورا، وخاصة منطقة لا شو دو فون، التي أصبحت عاصمة هذه الصناعة لأكثر من قرن. لم يكن التفوق السويسري في الجودة فقط، بل أيضًا في طرق الإنتاج. قدم دانييل جانريشارد، صائغ الذهب من لا شو دو فون، مفهوم "إيتابليساج"، الذي يعتمد على تقسيم العمل بين ورش مستقلة لإنتاج المكونات وتجميعها لاحقًا.

أدى نظام "إيتابليساج" إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية، حيث تم تصنيع مكونات الساعات في مواقع متعددة وتجميعها لاحقًا. هذه اللامركزية ساهمت في تسريع الإنتاج مع الحفاظ على الجودة. كما أن الشتاء القارس في جبال جورا دفع المزارعين للعمل في تجميع مكونات الساعات، مستفيدين من مهاراتهم الدقيقة المكتسبة من صناعة النسيج.

تمكنت سويسرا من إنتاج ساعات بسرعة وجودة تفوق منافسيها الأوروبيين، ما أدى إلى تراجع صناعة الساعات في فرنسا وبريطانيا. وفي العصر الحديث، أصبحت صناعة الساعات السويسرية مساهمًا كبيرًا في الاقتصاد الوطني. ففي عام 2023، بلغت صادرات الساعات السويسرية 26.7 مليار فرنك سويسري، بما يعادل 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

في هذا المقال، ركزنا على صناعة الساعات في سويسرا فقط، وهذا لا يعني أن هذه الصناعة حكر على هذا البلد، ولكنه بلا شك يتربع على عرش الساعات الميكانيكية الفاخرة. إن تفوق سويسرا في هذا المجال جاء نتيجة تضافر العديد من العوامل، منها الثورة الصناعية، والاستفادة من الأدوات والآلات المتطورة من الدول الأوروبية الأخرى، والتقدم في علوم المواد، والابتكارات في مجال الكيمياء، والتي تم توظيفها بذكاء لتعزيز جودة الصناعة. كل ذلك كان مدعومًا بخبرة شركاتها المتراكمة عبر القرون.

بالإضافة إلى ذلك، لعبت عوامل أخرى دورًا حاسمًا، مثل ارتفاع مستوى المعيشة في أوروبا، مما أتاح لعدد أكبر من الناس فرصة اقتناء هذه التحف الميكانيكية الفاخرة.

ومع ذلك، فإن تاريخ الساعات لم يكن حكرًا على سويسرا وحدها. فقد ساهمت العديد من الدول في تطوير هذه الأدوات الميكانيكية المحبوبة. من أوروبا، برزت فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، والمملكة المتحدة، إلى جانب دول أخرى. كما كان للشرق الأقصى نصيب في هذا المجال، حيث قدمت اليابان إسهامات مميزة، تلتها الصين في الآونة الأخيرة. ولم يكن الغرب الأمريكي بعيدًا عن المشهد، حيث شهدت الولايات المتحدة تطورات مهمة في هذا المجال.

 

في المقالات القادمة، سنتناول هذه الإسهامات العالمية بتفصيل أكبر، مستعرضين كيف ساهمت كل منطقة في تشكيل عالم الساعات الذي نعرفه اليوم.

 


0 تعليقات